الباحث السياسي محمود أبو الحمد يكتب ترامب.. نظرية السياسة المجنونة
أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الوجهة الحقيقى الذى يدل على سياسته المتبعة خلال ولايته الثانية وذلك برفع شعار نظرية (اللى اقول عليه يمشى).
ويرجع ذلك إلى ما تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية من قوة وهيمنة دولية تتحكم في العالم ككل مما أثار استياء وجدل واسع النطاق في العالم، ويرجع ذلك للتصريحات المتتالية التى تتعلق ببعض الدول منها العربية والأوروبية وحتى دول الأمريكتين لم تسلم من قراراته المتهورة والغير عقلانية واتباعه نظرية السياسة المجنونة.
وتقوم (نظرية السياسة المجنونة) على إقناع الخصوم بأن الزعيم لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وربما يكون غير عقلاني، وعلى استعداد للقيام بأعمال تخالف المعايير أو التوقعات التقليدية.
ويعتمد هذا التكتيك النفسي على الاعتقاد بأن عدم اليقين والخوف يمكن أن يغيرا حسابات صنع القرار لدى الخصوم ، مما يدفعهم إلى تقديم تنازلات أو تبني مواقف أكثر مرونة، ومن خلال إبقاء الخصوم في حالة من عدم التوازن وعدم اليقين بشأن الخطوة التالية للزعيم ، يعتقد أنصار نظرية الرجل المجنون أنهم يستطيعون اكتساب مزايا استراتيجية وتأمين نتائج أكثر ملاءمة .
ففي الخامس عشر من مايو 1969، عقد نيكسون اجتماعاً مشتركاً لمجلس الأمن القومي لعرض استراتيجيته لفرض ضغوط إضافية على الطرف الآخر للتوصل إلى تسوية في فيتنام ، وجاء في مذكرة الاجتماع الآتى : ” إذا كنا نريد إجراء مفاوضات حقيقية، فإن مجرد طرح الاقتراح لا يكفي. لقد كان لزاماً علينا أن نهددهم بأنهم سوف يعانون إذا لم يتفاوضوا . نحن نهدف إلى إقناع العدو بأنه إذا لم يتم التوصل إلى تسوية، فإن لدينا خياراً يتمثل في العمل العسكري ليس فقط على المستوى الحالي بل وعلى مستوى أوسع .”
وقال كبير موظفى البيت الأبيض (هالدمان) لقد خطط نيكسون عمداً لإرسال إشارة إلى موسكو وهانوي بأنه “مجنون” قادر على القيام بأي عمل غير عقلاني، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية، لإنهاء الجمود على طاولة المفاوضات وإنهاء الحرب. وقد طرح (هالدمان) ما يسمى “نظرية المجنون” لأول مرة في مذكراته التي نُشرت عام 1978.
والمتابع لسياسة وتصرفات الرئيس الأمريكى (دونالد ترامب) خلال فترة رئاسته الأولى يلاحظ أن الرئيس (ترامب) استخدم “نظرية المجنون” الخاصة به في التعامل مع العديد من الدول، ولكن كما يقول (جيم سيوتو) في كتابه “نظرية المجنون”، ربما كان ذلك متعمدًا في بعض الأحيان وأحيانًا أخرى غير متعمد.
ويمكن القول : إن استخدام الرئيس الأمريكى ( ترامب) السياسة نفسها للتعامل مع الحرب فى غزة ، حيث قال فى يوم 2 ديسمبر 2024 بعد نجاحه فى الانتخابات الرئاسية وعلى الرغم من عدم تسلمه الرئاسة رسميا : “سيتم دفع ثمن باهظ في الشرق الأوسط ، إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة قبل أن يقسم اليمين كرئيس في 20 يناير 2025.” ,وكتب أيضاً على منصته “تروث سوشال”: “وإذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل 20 يناير 2025، وهو التاريخ الذي أتولى فيه بفخر منصبي كرئيس للولايات المتحدة، فسيكون هناك جحيما سيدفع في الشرق الأوسط ثمنه الباهظ، وأولئك المسؤولين الذين ارتكبوا هذه الفظائع ضد الإنسانية.
وذكر أنه : “سيتعرض المسؤولون عن ذلك لضربة أقوى من أي ضربة أخرى تعرض لها أي شخص في التاريخ الطويل والحافل للولايات المتحدة الأمريكية، أطلقوا سراح الرهائن الآن”.
ثم أعاد التهديد فى 8 يناير 2025 بـ”الجحيم” في حال عدم إطلاق سراح الرهائن في غزة وحذر من أن “الجحيم سوف يندلع في الشرق الأوسط” إذا لم يتم الإفراج عن الرهائن في غزة بحلول موعد تنصيبه في العشرين من الشهر الجاري.
وعقب بدء عملية تبادل الأسرى والمحتجزين بين إسرائيل وحماس يوم 19 يناير 2025أعرب الرئيس الأمريكي المنتخب (ترامب) يوم عن ترحيبه ببدء حركة “حماس” إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين لديها، ثم استكمل منهجه فى سياسة الرجل المجنون عقب الإفراج عن الدفعة الأولى من المحتجزات الإسرائيليات والأسرى الفلسطينيين مهدداً ومحذراً من عدم استمرار الاتفاق بقوله : ” إن اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الرهائن والأسرى في غزة “من الأفضل أن يصمد”، محذرا من أنه “إذا لم يصمد فإن الجحيم سوف ينشب”.
ولما وجد ترامب لسياسة (الرجل المجنون) تأثيراً كبيراً فى حل أزمة المحتجزين فى غزة ، ووقف الحرب ، تمادى فى ذلك وطلب بما يمثل جنوناً حقيقياً ، وخارج حدود العقل بنقل سكان غزة إلى الأردن أو مصر ، بدعوى أن غزة مدمرة فقال : “أود أن أجعلهم يعيشون في منطقة حيث يمكنهم العيش دون اضطراب وثورة وعنف كثيرًا”.
وسياسة الرجل المجنون فى الشرق الأوسط وإن كانت قد نجحت فى التوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار من خلال التهديد الذى أطلقه الرئيس ترامب قبل تنصيبه والذى ساهم بنسبة كبيرة فى نجاح التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين ، ويمكن أن تنجح هذه السياسة فى التوصل إلى حل نهائى للقضية الفلسطينية إذا تم ممارسة ضغوط أمريكية على إسرائيل لحل القضية وفقاً لرؤية حل الدولتين ، فى إطار قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والمبادرة العربية ، بما يضمن حماية حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وسيادته على أرضه كما أكدتها قرارات الأمم المتحدة وفتاوى محكمة العدل الدولية ، وهو ما يلقى قبولاً عربياً ودولياً ، أما إذا كانت سياسة (الرجل المجنون) تنطوى على الجنون فعلاً من خلال المطالبة بترحيل سكان غزة إلى خارجها سواء إلى الأردن أو مصر أو أى دولة أخرى وتصفية القضية الفلسطينية ، فعندئذ تكون هذه السياسة (جنوناً حقيقياً) خارج حدود العقل البشرى – فكيف يمكن تهجير شعب من أرضه ليسكنها مستوطنو دولة الاحتلال الإسرائيلى – وسيتعامل معه الرأى العام المصرى والعربى والعالمى على أنه ” جنون حقيقى وهذيان ” لا يستحق النقاش.