رأيك

محمود سليم يكتب: لماذا لم تُسجل حضور فنانات تشكيليات عبر التاريخ؟

هذا التساؤل يمكن أن يمتد ليشمل غياب المرأة في العديد من المجالات الأخرى مثل البحث العلمي، الأدب، وأدوار فاعلة أخرى في الحياة الثقافية والعلمية، حيث كان وجودها محدودًا في أحسن الأحوال، وتقتصر مشاركتها على حالات نادرة لا تقارن بوجود الرجل في نفس المجالات.

يعد حضور المرأة كمُنتِج في الفن التشكيلي أمرًا حديثًا نسبيًا مقارنةً بتاريخ التعبير التشكيلي الطويل عند الرجل، وهذا التغيير الكبير في قدرة المرأة على التعبير عن هويتها كامرأة جاء بالتوازي مع الحركات النسوية في القرن العشرين.

وكانت الحياة الاجتماعية للمرأة في العصور الماضية محصورة في أدوار معينة، تقتصر على الحياة المنزلية أو الترفيهية، مما جعلها تبتعد عن المشاركة الثقافية والفنية إلا في حالات استثنائية.

حتى في تلك الحالات الاستثنائية التي سجلت حضور المرأة كمُنتِج في الفن، كان هذا الحضور غالبًا مشروطًا بتبعيتها للرجل، سواء كان معلمًا أو فنانًا، وكانت المرأة تتعلم من الرجل وتقلده، حتى في اختيار المواضيع والأسلوب الفني، و هذه التبعية كانت أحد العوامل التي مكّنتها من الحصول على قبول جزئي في مجتمع يهيمن عليه الذكور.

رغم ذلك، كانت المرأة حاضرة في الفن التشكيلي بشكل غير مباشر، إذ كانت تُعبر عنها وتُصور كموضوع للإلهام، سواء كانت في شكل نموذج جمالي، أو امرأة حلمية أو حتى نموذجًا للمرأة المنزلية، و في الفنون الكلاسيكية، نجد المرأة غالبًا في أوضاع تأملية، متأملة في جمالها أو نرجسيتها، أو مجسدة دور الأم المربية لأطفالها.

وكانت هذه التصويرات تكرس صورة نمطية للمرأة تنفي دورها الفاعل في المجتمع خارج نطاق منزلها، وهكذا، كان الفنان التشكيلي يعبر عن صورة المرأة من منظور الرجل، ويتبنى هوية الذكر التي يفرضها السياق الاجتماعي.

ومع ظهور الحركة النسوية في العصر الحديث، أصبح لزامًا على الفنانات النساء أن يواجهن هذه الصورة النمطية، وأن يُعيدن تشكيل الصورة الفنية للمرأة وفقًا لمنظورهن الخاص،  فحضور المرأة كمنتِج فني كان خطوة ضرورية لتغيير هذه التصورات الجاهزة، ولإعطاء المرأة فرصة التعبير عن هويتها من خلال منظورها الشخصي.

أدى هذا التحول إلى ابتكار أساليب ووسائل جديدة للتعبير الفني. على سبيل المثال، استخدمت العديد من الفنانات الأدوات والخامات التي ترتبط بالمرأة، مثل النسيج الذي يحمل ارتباطًا تاريخيًا وثقافيًا بالنساء، كما فعلت الفنانات غونتا ستولزل وشيلا هيكس،  كما تم استخدام فن البوب للتعبير عن احتجاجات الحركة النسوية ضد الهيمنة الذكورية، كما في أعمال الفنانة باربرا كروغر.

وفي أعمال أخرى، مثل تلك التي قدمتها الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو، كان التعبير عن الألم والمعاناة الداخلية هو المهيمن، حيث تناولت معاناة المرأة النفسية والجسدية بطريقة عاطفية وفنية عميقة،  أما الفنانة جورجيا أوكيف فقد قدّمت تصويرًا للجسم الأنثوي بأسلوب إيروتيكي، مما يعكس تفرد المرأة وقدرتها على توليد الحياة.

تختلف صورة المرأة في الفنون التشكيلية المعاصرة تمامًا عن تلك التي كانت في الأعمال التي أبدعها الفنانون الرجال سابقًا، و يرجع هذا الاختلاف إلى تغير البيئة الاجتماعية والثقافية والزمنية التي عاشتها المرأة، بالإضافة إلى التحول الذي طرأ على نوع الفنان المُنتِج، الذي أصبح جزءًا أساسيًا من عملية التعبير الفني.

من هنا تظهر أهمية حضور المرأة كمنتِج فاعل في المجال الفني، سواء في الفن التشكيلي أو الأدب أو في الدراسات الاجتماعية والإنسانية التي تناولتها، فلا يكفي أن تكون المرأة مجرد موضوع يتناوله الرجل، لأن هذا التعبير، حتى وإن كان في أفضل حالاته، سيظل قاصرًا عن تقديم الفهم العميق لحالتها وحقيقتها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى