منى منصور السيد.. رحلة كفاح ملهمة من التحدي إلى القيادة” فيتشر”

كتب-ندى أشرف
في عالم يفرض على البعض تحديات قاسية، تبرز شخصيات قادرة على تحويل المحن إلى نقاط انطلاق.
منى منصور السيد، رئيسة قطاع ذوي الهمم في أكاديمية “فرانكو تياترو”، واحدة من هؤلاء الذين سطروا قصص نجاح ملهمة، رغم الصعوبات التي واجهتها منذ طفولتها.
طفولة صاغتها الإرادة
وُلدت منى منصور عام 1976 في أسرة بسيطة بالإسكندرية، كطفلة سادسة لأب يعمل رئيسًا لقسم الكهرباء، وأم ربة منزل.
لم تكن طفولتها تقليدية؛ ففي سن الثالثة، أصيبت بشلل الأطفال، ليبدأ معها مشوار التحدي.
ورغم صغر سنها، وجدت منى في الفن متنفسًا للتعبير عن ذاتها بدأت موهبتها في الرسم والتلوين تظهر منذ الخامسة، بدعم من أختها الكبرى. وفي مركز “بمبي” لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، صقلت موهبتها تحت إشراف الرهبان الألمان، الذين دربوها على الغناء، والرسم، والأشغال اليدوية.
في العاشرة، فتحت القراءة لها نافذة جديدة على العالم، حيث نهلت من أعمال كبار الأدباء، مما صقل شخصيتها وزرع فيها شغفًا بالثقافة والفن. ولم يكن الشعر بعيدًا عن اهتماماتها، فكتبت أولى قصائدها عن القدس في الصف الثاني الإعدادي، ولاقت إشادة معلميها.
تفوق أكاديمي رغم الصعوبات
رغم إعاقتها، لم تكن منى أقل طموحًا من أقرانها، بل تفوقت دراسيًا، وحققت 82% في الثانوية العامة دون الاستعانة بدروس خصوصية. التزامًا برغبة والدها، التحقت بكلية الآداب، قسم التاريخ والآثار المصرية، حيث استمرت في مسيرتها التعليمية بدعم من أسرتها، وخاصة والدها الذي كان سندها الأكبر.
بجانب دراستها، تعلمت منى فنون الأشغال اليدوية مثل التطريز، والكروشيه، وإعادة التدوير، بمساعدة والدتها وأختها الكبرى. لم تكتفِ بذلك، بل تعلمت أيضًا الطبخ والعناية بالأطفال، حيث ساعدت في تربية أبناء شقيقها منذ صغرها.
في عام 1999، حصلت على درجة البكالوريوس، لكن فرحتها لم تكتمل برحيل والدها، وهو ما شكّل نقطة فارقة في حياتها.
رحلة مهنية وإرادة لا تنكسر
في 2002، بدأت مسيرتها المهنية كمعلمة دراسات اجتماعية في مدرسة عمر المختار الإعدادية، وحققت نجاحًا كبيرًا. لكن القدر لم يكن رحيمًا بها، ففي 2007، تعرضت لحادث داخل المدرسة أدى إلى شلل نصفي في الجزء الأيسر، استمر عامًا ونصف.
ورغم الألم، خضعت لعملية زرع نخاع، وعادت في 2010 إلى عملها بكفاءة، محققة تقييم “امتياز”، ومشاركة في تطوير المناهج باستخدام التكنولوجيا الحديثة.
ولكن التحديات لم تتوقف؛ ففي 2016، تعرضت لحادث سير خطير أدى إلى إصابة في العمود الفقري والقدم اليسرى، مما أجبرها على استخدام الكرسي المتحرك بعد أن أصبحت غير قادرة على المشي حتى بجهاز شلل الأطفال. زادت إصابتها في الذراع اليسرى من صعوبة حياتها، وتأثرت حالتها النفسية بشدة.
العودة بقوة إلى الحياة
لكن منى لم تستسلم، بل اتجهت إلى التعليم الإلكتروني، فحصلت على دبلومة في التسويق الإلكتروني من مبادرة “قدوة تك” التابعة لوزارة الاتصالات.
وسّعت مداركها بدراسة تنمية الأعمال، والتسويق بالمحتوى، والإرشاد الأسري، والفويس أوفر، وبدأت العمل في الإذاعة الإلكترونية مع عدة محطات.
في 2019، شاركت في معرض “تراثنا” لمدة أربع سنوات، وانخرطت في العمل التطوعي لذوي الاحتياجات الخاصة. ثم في 2023، حصلت على المركز الأول في بحث حول “دور التكنولوجيا في تحسين تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة”، ضمن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان وذوي الهمم.
دور إعلامي وريادي بارز
لم تقتصر مساهماتها على التعليم والفن، بل دخلت مجال الإعلام، حيث عملت محررة فنية بجريدة “دايلي برس مصر”، وأشرفت على صفحة “ومضات فنية”، وتولت منصب نائب رئيس مجلس إدارة “صدى مصر” في يناير 2024. كما شغلت مناصب مؤثرة مثل المنسق الإعلامي للتحالف الدولي للمصريين في السعودية والخليج، ومساعد رئيس الاتحاد المصري للمجالس المحلية الشعبية.
من قيادة ذوي الهمم إلى صناعة الأثر
اليوم، تشغل منى منصور السيد مناصب قيادية متعددة، حيث تتولى رئاسة قطاع ذوي الهمم في أكاديمية “فرانكو تياترو”، ومؤسسة “الناصر”، وجمعية “نفرتيتي الخيرية”، إلى جانب رئاستها إدارة العلاقات العامة لذوي الهمم بمؤسسة “الجمهورية الجديدة”.
إرادة لا تعرف المستحيل
بين تحديات المرض، وخسارة الأحبة، والصعوبات الجسدية، صنعت منى منصور السيد قصة نجاح استثنائية. لم تكن مجرد امرأة واجهت المحن، بل نموذجًا لقوة الإرادة، وإثباتًا أن النجاح لا يعترف بالعوائق، بل بالإصرار والعزيمة.