إدمان الألعاب الإلكترونية والمراهنات يدمر الحياة الزوجية

تحوّل التقدم التكنولوجي إلى وجه قاتم يهدد استقرار البيوت والعلاقات الزوجية، بعد أن أصبح إدمان الألعاب الإلكترونية والمراهنات الرقمية ظاهرة متفاقمة بين الأزواج، تسببت في تزايد معدلات الطلاق والخُلع، وفقًا لتقارير رسمية.
ففي عصر الهواتف الذكية والأجهزة المتطورة، بات كثير من الأزواج يقضون أغلب أوقاتهم أمام الشاشات، منغمسين في الألعاب، غير آبهين بمسؤولياتهم تجاه زوجاتهم وأطفالهم. ولم يتوقف الأمر عند حدود التسلية، بل تطور إلى هوس مرضي بالمراهنات الإلكترونية، حيث ينفق بعض الأزواج مبالغ مالية طائلة على تلك المنصات، دون وعي بالعواقب النفسية والاجتماعية والاقتصادية، ما قد يدفعهم لاحقًا إلى ارتكاب الجرائم لتعويض خسائرهم.
وبحسب تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء عام 2018 – وهو آخر تقرير متاح في هذا الشأن – فإن ارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة يُعزى جزئيًا إلى إدمان الألعاب الإلكترونية، وعلى رأسها ألعاب المقامرة و”البلاي ستيشن”. كما كشفت إحصائية صادرة عن مكاتب تسوية المنازعات الأسرية بمحاكم الأسرة عن تزايد شكاوى الزوجات من انشغال أزواجهن المفرط بالألعاب الإلكترونية، وفقدان التواصل الأسري، في زيجات تراوحت مدتها بين 3 أشهر و7 سنوات.
قصة واقعية من محكمة الأسرة
أمام محكمة أسرة القاهرة الجديدة، وقفت “هبة”، سيدة في السادسة والثلاثين من عمرها، تطلب الخلع من زوجها بعد زواج دام 12 عامًا. بدأت حديثها باكية:
“زواجي من أحمد لم يكن نتيجة قصة حب، بل كان هادئ الطباع، واعتقدت أن هذا الهدوء دليل على الطيبة. وعدني بالاستقرار، لكنه لم يكن أهلًا للمسؤولية. تنقل بين عدة وظائف، وفشل في جميعها، حتى استقر في البيت بلا عمل حقيقي”.
تتابع “هبة” أن زوجها ازداد انطواءً وانفصالًا عن الواقع، إلى أن أصبح يقضي معظم يومه ممسكًا بالهاتف، غارقًا في عالمه الافتراضي، دون اهتمام بها أو بالأبناء. وتضيف:
“كنت أظن أن إهماله سببه ضغوط الحياة، لكن مع الوقت، لاحظت أنه يتصرف بعصبية إذا طلبت منه الجلوس معنا، وكان يتذرع دائمًا بأنه مكتئب أو مريض. حتى بدأت أشك بوجود امرأة أخرى في حياته”.
لكن الحقيقة كانت أشد قسوة، إذ اكتشفت “هبة” من خلال مراقبتها له أنه مدمن للمراهنات الإلكترونية، يراسل غرباء ويرسل إليهم مبالغ مالية ضخمة للمشاركة في ألعاب قمار عبر الإنترنت.
“كان يخسر كل مرة، ثم يعود لمحاولة جديدة، وكأن الأمر إدمان لا يستطيع التوقف عنه. لم يكن يهتم بأبنائه ولا بمصاريف المنزل، بل أصبح كل همه اللعب وتعويض خسائره”.
أزمة أسرية صامتة تبحث عن علاج
قصة “هبة” ليست الوحيدة، بل تعكس واقعًا مأساويًا تعيشه آلاف الزوجات، حيث يتحوّل الزوج من شريك حياة إلى شخص غائب ذهنيًا وسلوكيًا، أسير للهاتف والمراهنات.
الخبراء الاجتماعيون والقانونيون يحذرون من تفشي هذه الظاهرة، مطالبين بضرورة التدخل الأسري والمجتمعي للتوعية بخطر الإدمان الإلكتروني، ووضع آليات علاجية نفسية وسلوكية مبكرة، قبل أن تتحول هذه المشكلات إلى قضايا في محاكم الأسرة.
وفيما تبقى قضية “هبة” منظورة أمام المحكمة، تبقى الأسئلة مطروحة:
من المسؤول عن هذه الكارثة الصامتة؟ وهل هناك وعي كافٍ بمخاطر التكنولوجيا عند استخدامها بشكل خاطئ؟ وهل تصبح الزوجة هي دائمًا من تدفع الثمن؟